يسان الفلسطيني شهر العطاء والشهداء - بقلم كمال نصار
نستذكر أرواح الشهداء عبد القادر الحسيني وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر وخليل الوزير "أبو جهاد" والدكتورعبد العزيز الرنتيسي والعقيد طيار محمد درويش والعقيد طيار غسان ياسين والمهندس طيار ثيودوروس جيورجي . نستذكر أرواح ثمانية عشر شهيداً أبت أرواحهم إلا أن تهاجر من الأرض الفلسطينية المحتلة لتعانق روح "أمير الشهداء" يوم وصلت يد الغدر الإرهابي الإسرائيلي إلى جسده الطاهر في العاصمة التونسية ، وتُزف معها في عرس شهادةٍ ما بعدها شهادة. نستذكر أرواح هؤلاء الذين قالوا لإسرائيل لا وألف لا..
لن تموت مقاومة شعبنا مع اغتيال "أمير الشهداء". نستذكر أرواح الشهداء الثلاثة الذين قضوا دفاعاً عن "الأمير" والقضية (مصطفى وحبيب التونسي وأبو سليمان). وحتى لا يؤخذ علي مأخذ النسيان أو "التجاهل لا قدر الله" ولا أقع تحت لومة نفسي قبل لومة الآخرين ، أرى أن من العدل والإنصاف أن نستذكر أرواح جميع الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين اغتالتهم يد الغدر الإسرائيلية خلال شهور نيسان والشهور الأخرى وعلى مدار أعوام الصراع العربي الإسرائيلي الطويلة.
لكن وفي ظل الحديث عن هذا الشهر اللعين بما له وما عليه ، لا بد من التوقف عند رموز قياديةٍ كبيرةٍ استهدفها الإرهاب الإسرائيلي في شهور نيسانية لعينة سابقة. فالحديث عن القائد الشهيد عبد القادر الحسيني تعيدنا بالذاكرة إلى الوراء ثمانية وستون عاماً يوم استشهد في معركة القسطل في 8 نيسان 1948. يومها غالت عصابات "شتيرن" و"الهاغاناة" الإرهابية في عدوانها النازي ضد المواطنين الفلسطينيين لغرض ترحيلهم والإستيلاء على أراضيهم فارتكبت من المجازر الجماعية ما يندى لها جبين الإنسانية. ومن تلك المجازر كانت مجزرة دير ياسين التي حدثت يومي 9 و10 من ذات العام والتي اغتال الصهاينة الأنذال فيها جميع أبناء البلدة إلا من نجا منهم بأعجوبة ، في واحدةٍ من أسوأ عمليات الإبادة الجماعية .
ونستذكر العاشر من نيسان 1973 ذلك اليوم الذي تمكن الإرهاب الإسرائيلي بواسطة مجموعات من "الموساد" من اغتيال القادة الكبار كمال عدوان وأبو يوسف النجار وكمال ناصر في شارع فردان في العاصمة اللبنانية بيروت. كان الشهيد القائد كمال عدوان واحداً من أهم وأبرز الإعلاميين إن لم يكن أهمهم وأبرزهم ، وكان الحريص الدائم على أن تتعانق الكلمة الحرة مع البندقية الحرة. كان يرى العالم من خلال القضية الفلسطينية ، وكان القائل وصَدَقَ قوله "حتى تكون قومياً وحتى تكون أممياً لا بد وأن تكون فلسطينياً أولاً" . أتقن فن الثورة وعلم الآخرين على فن إتقانها . أصدر جريدة فتح من قلب المعركة عندما فرضت الضرورة ذلك. أما الشهيد القائد أبو يوسف النجار فكان "السهل الممتنع" في مرونته وتصلبه. "الحق أولاً والمبدأ أولاً" ، ذلك كان واحداً من شعاراته. مثل نموذجاً لجيلٍ فلسطينيٍ كاملٍ عَبَرَ عنه بنقاء ثوري أصيل. أما "ضمير الثورة" الشهيد القائد كمال ناصر فقد أحبه جميع الثوار كما أحبهم ، وكان لفتح كما كان لجميع الفصائل. كان أديباً وشاعراً ومفكراً، وكان إنساناً بكل معاني الإنسانية النبيلة. حبّب القتال إلى الجماهير فأصبحت الجماهير الحُضن الآمن لفكر المقاومة وممارساتها. كان حريصاً على الوحدة الوطنية الفلسطينية وعمل من أجلها. سُمي "ضمير الثورة" لما مثّله من قاسمٍ فكريٍ وسياسيٍ مشتركٍ بين جميع فصائل المقاومة ، مع تعدد نزعاتها الفكرية والسياسية.
أما أمير الشهداء القائد الرمز أبو جهاد ، فما من أحدٍ عرفه إلا وأحبه ، وأنا كنت واحداً من هؤلاء. فما أقوله أنا وغيري عن الأمير الشهيد القائد لا يمكن بشكلٍ من الأشكال أن يفي بجزءٍ بسيطٍ مما استحقه. ومهما وضعت فيه من الصفات الكريمة والنبيلة والإنسانية لا أوفيه حقه منها. كان قائداً بكل معاني الكلمة.. وما أحوجنا لقائدٍ مثله في هذه الأيام العصيبة. وصلت يد الإرهاب الإسرائيلي المجرم إلى جسده الطاهر في 16 نيسان 1988 فاغتالته مع ثلاثةٍ من مرافقيه بعد معركةٍ غلب عليها الغدر في ضاحية سيدي بوسعيد في العاصمة التونسية. الشهيد الكبير الذي سُميت "دورة الإنتفاضة" للمجلس الوطني التي انعقدت في الجزائر في تشرين الثاني 1988 باسمه ، كانت إسرائيل تعتقد أن باغتياله ستتمكن من اغتيال تلك الإنتفاضة المباركة . لكن وفاء أبنائها للقائد والقضية التي قضى من أجلها زاد الإنتفاضة اشتعالاً وتوهجاً إلى أن جاءت أُوسلو اللعينة فاغتالتها نيابة عن إسرائيل .
وأما قائد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ، فقد وصلت إليه يد الغدر والإجرام الحاقدة عندما قصفت الطائرات الإسرائيلة أميركية الصنع مساء 17 نيسان 2004 سيارته فعانقت روحه الطاهرة أرواح جميع شهداء فلسطين الأبرار الذين سبقوه . حدثت جريمة اغتيال الرنتيسي بعد 25 يوماً فقط من جريمة اغتيال الأب الروحي لحركة "حماس" الشيخ أحمد ياسين ، وقد سقط معه يومها اثنان من مرافقيه الأبطال هما الشهيدان أكرم نصار وأحمد الغرة . ومسيرة القائد الرنتيسي المشرفة تجعلنا أعجز من أن نتحدث عن صفاته ومآثره خوفاً من أن لا نعطيه حق قدره .
حصرُ الموضوع في ستة من القادة الرموز لا يقلل أبداً من شأن وقيمة الشهداء الآخرين . فكلهم شهداء القضية النبيلة بدءاً من أصغر طفل رضيع وامرأة وكهل حتى أكبر قائد فلسطيني ، وكلهم تعتصر قلوبنا ألماً وحسرةً على فراقهم . فقوافل سبقت وأخرى تنتظر والعطاء مستمر. لكن "النيسانية" افترضت التوقف عند هؤلاء القادة بانتظار وقفات أخرى قادمة. حصاد نيساني يتبعه حصاد بعد حصاد ...والحصاد مستمر . فالإرهاب الإسرائيلي بشتى صوره وأشكاله متواصل ، والعطاء الفلسطيني من أجل الأرض والإنسان متواصل هو الآخر . فلنا في كل يومٍ شهيدٍ بل شهداء ... والموسوعة الفلسطينية للشهادة والإستشهاد تبقى مشرعة على مصراعيها لاستقبال سير جديدة لشهداء جدد تُضم إلى سير إخوان ورفاق لهم سبقوهم إلى أن يتحقق حلم شعبنا في التحرر والتحرير
بقلم - كمال نصار
20 - 4 - 2016